إلى حاملي رسالة تعليم لغة القرآن:
إن التعليم رسالة خالدة وأمانة عظيمة، والمعلم يقاس بفضل ما يقدمه للأجيال من علم وفكر، ولعل أسمى ما في هذه المهنة أن يخلص المعلم لدينه، وأن يشعر بانتمائه إليه، واللغة العربية أمانة في أعناق العرب ولا سيما المعلمين..
إنها صرخة ثائرة على حال اللغة العربية سأكتفي بترديد صداها المطبوع على صفحات مشاعري.. إنها حمم دافقة من مصهور المشاعر، استعصت على إرادة التنظيم فجاءت كلمات أسطرها في طيات رسالة، أردت منها أن تحرك كوامن الحذر في الصدور، إنها كلمات لا تخص المعلم فقط، بل تعمّ كل قلب يتفاعل مع العربية في أرض العرب، وحسبها من التأثير أن تعيد لنا شيئاً من إشراقه تلك اللغة العظيمة، أبدأ فيها بنفسي وأنا منكم لأثير الغيرة على قداسة هذه اللغة التي يريد منا الهدامون أن نغلق قلوبنا دونها، وهي تأبى عليهم، أن تُغتال لأن الله تعالى تعهد بحفظها(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فبحفظ القرآن الكريم يتم حفظ اللغة التي تحمله.
أيها المعلم: لقد نلت أشرف لقب يستطيع أن يناله بشر، ووافاك المجد طائعاً مذعنا فاحرص على لغتك فإن هناك مجرمين يريدون أن يسلبوا خزائن اللغة من نفائسها، ولست أحمل عليك من العتب فوق ما يحتمله ذنبك إن كنت ممن يشارك في الهدم.
واعلم أيها المعلم المسلم أن الإسلام هجرة عقلية وروحية، ولا أروع في وصف هذه الهجرة من قوله تعالى
هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين..) ولقد تألقت أنوار هذه الهجرة في كل أفق من حياة السلف، وكانت اللغة هي المرآة التي انعكست عليها تلك الأنوار، والسجل الذي حفظ للأجيال صورة التبدل العظيم الذي أحدثه الإسلام في أخلاق العرب وفي سلوكهم وفي أساليب تفكيرهم.
وليس لنا - أيها المعلم - من وسيلة للحفاظ على قيمنا أفضل من ربط الجيل باللغة التي تمثل عقلية العربي قبل الإسلام وبعده.
اللغة - يا حامل الرسالة - عنوان ثقافة الأمة وحضارتها، والأمة التي تريد أن ترقى بقيمها وحضارتها هي الأمة التي تحافظ على لغتها، كذلك الشأن في سائر الأمم فبينما نرى الهمم متجهة فيها إلى إصلاح اللغة والنهوض بها، إذا بنا نرى أنفسنا نتجه بهممنا نحو الهاوية.. إننا محاطون بأسوار عظيمة بناها أجدادنا، فلنرمم ما تصدع منها، ولا نشارك في هدمها.
أخي المعلم: إن العربية لغة دين سماوي عظيم، وبها كتبت أصول هذا الدين تشريعاً وحكمة وثقافة. وعلى رأس هذه الأصول: القرآن، مُعتمد المسلم ومرجعه في شؤونه الدينية وعقيدته الروحية، واعلم أن العربية باقية بقاء الإسلام، فاحرص على غرس حبها في قلوب تلاميذك، واربطهم بالقرآن الكريم القبلة الخالدة في استلهام أنصع الأساليب، فما دام القرآن محفوظاً، والإسلام قائماً، وأمته العربية موفورة، فلن يكتب لهذه اللغة الفناء، والقرآن الذي صانها عن الزوال سيكون السبب الذي يمدها بعوامل البقاء.