تطل علينا بدايات فصل الربيع احد اجمل فصول السنة ، فهو ذو مناخ معتدل ، ويمثل المرحلة الانتقالية من موسم الشتاء الى موسم الصيف.. فهو يمتاز بليله ونهاره المعتدل بين الحر والبرد ، وشمسه معتدلة في العلو والهبوط وقمره معتدل في اول درجة من الليالي البيض ، قال بعض العلماء كانت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الاول وفي فصل الربيع ايضا ، وانشد في ذلك:
يقـول لســان الحـال منـه وقول الحق يعذب للسميع
فوجهي والزمان وشهر وضعي ربيع في ربيع في ربيـع
من هنا نبين ان كل فرد من افراد البشر في هذا الفصل يمتع ناظره بملكوت الله عز وجل حيث فيه يكون الطقس معتدلا والسماء صافية ، بالاضافة الى تفتح اوراق الاشجار والازهار وبروز العشب الاخضر.
اما بالنسبة لما يسمى بتزهر الاشجار فهي احد ميزات فصل الربيع واجملها وهو ظاهرة تفتح الازهار ، فبعد ان مضى فصل الشتاء بامطاره الغزيرة ورياحه وعواصفه المخيفة اقبل علينا فصل الربيع ليعوضنا عن كل ذلك ، ففيه الازهار المزينه بحلتها الرائعة والوانها الزهية والنضرة ، وفي هذاالفصل ايضا تزهر ازهارا خاصة لا تتواجد في باقي الفصول كزهرة شقائق النعمان.
هجرة الطيور
هجرة الطيور ليست ميزه خاصه بفصل الربيع ولكننا نلاحظها اكثر في هذا الفصل ، فتهاجر الطيور مواطنها او تعود اليها لعدة اسباب منها كثرة الغذاء والحبوب و التبشير بتغيير المواسم ففصل الربيع يزخر بأوراق الفرح ، وكأنما الحياة مقبلة لا مدبرة ، يبعث الشعور بنشوة الحياة ، والتطلع لجانبها الايجابي ، وهو فصل غناء وجمال ساحر ، يشهد للحق في سره ، ويناجي الخالق بروعة دلاله وبهجة جماله ، كان مادة شعرية للشعراء ، سحرهم بجماله وبهرهم بدلاله فجادت قرائحهم اجمل الاشعار وأروع الكلمات فقال الشاعر صفي الدين الحلي :
خلعَ الربيع على غصون البـان حللا فواضلها عـلى الكثـبان
ونمت فروع الدوح حتى صافحت كفَلَ الكثيب ذوائبُ الأغصان وتتوَّجت هام الغصون وضرجت خدَّ الرياض شقائقُ النعمان
فالربيع يأنس به الفقير الذي يرى في جماله ما يعوضه عن الحرمان وفي ضحكته ما يجدد في نفسه الآمال ، وفي نسماته عبير المستقبل ، وهو روضة للعابدين وأنس للموحدين وسعادة للمشتاقين ، يرون الجمال في الخلق فيسبحون الخالق ، والتجدد في الأزهار يجدد لهم الآمال بغد إيماني تتفتح فيه أزاهير الطاعات في نفوسهم ، فلا يجد كل منهم نفسه الا وهو يتساءل مع الشاعر مصطفى بدران:
منْ يا ترى أعطاك أكبر قوة عجـبا وحقا هل أروم سؤالا
من ذا الذي سواك تبعث بهجة في العالمين وتسعد الأحوال
ثم يجيب على لسان كل موحد وكل مؤمن ليكشف سر جمال الربيع :
أنا يا ربيع أراك نفحة خالق وهب الحياة محـبة وجلالا
إنَّ الذي سواك ربّ مبدع يهب الجمال لمن يشاء جمالا فأنى وجدت الجمال فاسأل عن مبدعه وأنى رأيت الصنعة فاسأل عن صانعها ، لا تجعل الجمال يحول بينك وبين من سواه ، ولا تشغل نفسك بالرسالة وتغفل عن مرسلها. فالربيع له رسالة ، يبعث بها عبر نسماته وازهاره وعبيره ، فالطبيعة الجميلة هي سلاح ذو حدين ، فهي هداية لمن نظر اليها بعين الحكمة وهي غواية لمن غفل عن الحكمة فيها ، شأنها كشأن نبات اللوف جميل المنظر نافع لعلاج الامراض لمن اهتدى للسر المودع فيه ، ولكنه خشن الملمس سم قاتل لمن غفل عن سره واشتغل بمظهره.
ان الجمال في الربيع يجعل النفوس تتشوف الى من أبدعه وان الحسن يجعل الأرواح تشتاق إلى أصله وان النظام يحرك العقل والقلب الى قانونه ، فينتقل المتأمل من الطبيعة الى خالقها ومن الجمال الى مبدعه فتتعلق النفوس بصفات الخالق في جمالها وكمالها: يقول بديع الزمان النورسي في احدى اشاراته: "ان محبتك للاشياء الجميلة وللربيع ، اي نظرك اليها من زاوية قولك: (ما اجمل خلقه،) وتوجيه محبتك الى ما وراء ذلك الشيء الجميل من جمال الافعال وانتظامها ، والى ما وراء تلك الافعال المنسقة من جمال تجليات الاسماء الحسنى ، والى ما وراء تلك الاسماء الحسنى من تجليات الصفات الجليلة وهكذا.. ان نتيجة هذه المحبة المشروعة هي: مشاهدة جمال اسمى من ذلك الجمال الذي شاهدته في المصنوعات بألوف ألوف المرات ، أي مشاهدة تجليات الأسماء الحسنى وجمال الصفات الجليلة بما يليق بالجنة ودار البقاء".
ويعتبر موسم الربيع الذي يعقب موسم الشتاء من اروع الفصول السياحية فعندما تنقشع سحب الضباب وتطل الشمس باشعتها الزاهية تتفتح الزهور والورود في السهول الخضراء وتتكشف روعة المروج الخضراء والجبال المكتسية اخضرارا وتصبح الرؤية واضحة للاستمتاع بكل هذا الابهار من الاخضرارعلى امتداد البصر لمدة ثلاثة اشهر.
ويترقب محبو الطبيعة الساحرة والطقس الجميل وهواة التصوير بلهفة موسم الربيع كما يحرص بعض الزوار على تمديد فترة بقائهم في المحافظة للاستمتاع بمشاهدة موسم تفتح الزهور والنسمات الباردة المنعشة التي تحمل شذى الزهور والروائح العطرية للازهار الجبلية بعد انقشاع الضباب ، وفي فصل الربيع تعود امواج البحر الى طبيعتها الهادئة لتأذن للصيادين ركوب البحر وعودة الانشطة التي يترقبونها لاستخراج انواع مختلفة من الاسماك التي تمتاز بالجودة والطعم المميز خلال هذه الفترة ، كما يترقب مربو الماشية موسم الربيع الذي تكثر فيه الزراعات المختلفة وتنتشر المراعي الخضراء وتجود الاراضي بأنواع مختلفة من الثمار ذات الجودة فتزداد الجبال بمحاصيل زراعية متنوعة كما ينتشر عدد من النباتات المثمرة والمناحل في سفوح الجبال وبطونها.
ويعد فصل الربيع احد اهم المقومات السياحية التي تجذب السياحة الداخلية في المحافظة فينطلق سكان المدن الى المناطق الجبلية للاستمتاع بجمال الطبيعة ويقضون لياليهم في احضان تلك الجبال للاستمتاع بالروائح العطرية التي تنبعث ليلا من الاشجار والنباتات خلال هذا الفصل الذي تتفتح فيه الازهار وتطلق شذاها في الاجواء فتنعش السمار.
واخيرا فهذه دعوة للاستمتاع بربيع الاردن وسهوله الخضراء لاكتشاف جماليته وحسن طبيعته.